مآسي إنسانية وثقافة الفرجة

أصبحنا نعيش في مجتمع ينظر فيه البعض للمآسي والقضايا الإنسانية كأنها فيلم سينمائي يتضمن أحداثا مشوقة تحبس أنفاسك وتشدك إلى النهاية .
فيتحول هؤلاء الأفراد إلى ممثلين يتقمصون أدوارهم ببراعة تامة ،كما تتحول الوقائع إلى سيناريوهات تثير الإنتباه .
مجتمع نكدي حزين ، يتعطش للفرح القليل الذي تجود به الأيام بين فينة و أخرى ولو على حساب روح طفل صغير لا يكاد عمره يتجاوز خمس سنوات فقط ، يسقط في حفرة أو بالأحرى بئر شديدة الضيق بعمق 32 مترا !
“ريان “… ملحمة إنسانية تعاطف معها العالم بأسره وجسدت مفهوم التضامن الإنساني لكنها في آن واحد رفعت الغطاء مرة أخرى عن مختلف الثغرات والعقد النفسية المجتمعية التي نعيشها كمجتمع ، إنها عقدة “الفرجة” خاصة بظهور التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي أفلحت بشكل لا يصدق في نشر هذه الثقافة المجنونة واخترعت مجتمعا جديدا يستهلك كل شيء .
فنحن مجتمع تثقل كاهله تراكمات ضخمة، نفسية منها ومادية لا يسعنا التعبير عنها لكنها تتجسد في قوالب و أشكال مختلفة . فواقعة الطفل المعجزة “ريان” كانت بمثابة مرآة ننظر من خلالها إلى واقع مرير وكابوس يحضر فيه الجهل و الأنانية وتغيب أدنى صور الإنسانية الحقيقية وأسس الانظباط الاجتماعي والحكمة في تدبير الأحداث المصيرية .
شحود من الجماهير تجمعت وجنون شعبي غير مسبوق يفسر مدى حاجتنا الشديدة والدائمة للفرجة ، ولا ننسى أشباه المنابر الإعلامية التي ساهمت هي الأخرى في نشر ثقافة “الفرجة” ، لتتحول التغطية الصحفية المهنية إلى مشاهد تراجيدية غير إنسانية تثير فئة من الجمهور الذي يفضل الزيف على الحقيقة إشباعا لفضوله الغريزي فقط .
فوداعا ريان ستبقى في قلوبنا جميعا ..رحلت و تركت العالم كله عالقا في تلك الحفرة ، انطفأت الأضواء ، تفرقت الحشود ، وعادت قرية إغران إلى عزلتها من جديد لينتهي الفيلم و يسدل الستار.